الجمعة، 18 ديسمبر 2015

مواجهة الصعوبات

تعليق على قصة الجزر والبيضة وحبات البن
إبداع الطالبة / مروة مراد


كل إنسان يواجه مصاعب في حياته، فالحياة ليست بقطعة حلوى حتي تكون كل لحظة فيها أحسن من التي قبلها، الحياة كالأرض غير المستوية، فيها منحنيات ومطالع، ولكن الفكرة تتلخص في الطريقة التي يواجه بها الإنسان هذه المنحنيات والمصاعب، فلكل إنسان طريقته الخاصة في التعامل مع الكُرَب التي تواجهه في حياته. 
أول نمط هو من يصبر ويثابر كثيرا حتي يجتاز الصعوبات، ونادرا ما ييأس، وهذا هو أحسنهم لأنه من الممكن أن يغير أشياء كثيرة بعزيمته، وعادةً ما يكون قائدا في كل حياته.
إن هذا النمط يفرض سيطرته علي الأوضاع الراهنة وهذا واضح في قصة الجزرة والبيضة وحبات البن؛ إنه يمثل حبات البن التي تغير الماء المغلي ولها رد فريد. 
النمط الثاني هو من يصلب ويصنع لنفسه دائرة لحماية نفسه في داخل هذة الدائرة، ويصبح صلبا، ويواجه المشكلة، كما أنَّ هذا النمط أيضًا يتحدي صعوبات كثيرة ويجتازها! وهذا في القصة يمثل البيضة التي حمت سائلها، وزادت صلابة في الماء المغلي. 
أما النمط الثالث، فهو الضعيف، هذا النمط يبدأ قويًّا لكنه لا يستمر قويا، فهو يضعف كثيرا ويتغير فيه كل شيء، ويعتبر أسوأ نمط في الأنماط الثلاثة؛ حيث إنه يمثل الجزرة التي تبدأ قوية ومع مواجهتها للمياه المغلية، تضعف وتصبح أكثر رخاوة. 

وأخيرا . . كل إنسان له طريقة في التعامل مع صعوبات حياته، لذلك فإنه يجب عليه معرفة نمطه وتجاوز مشكلاته، حتى يطور نفسه للأفضل.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

حبة ملح

تلك الحكاية سمعتها وأنا صغير من أختي الكبرى، منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وهي شديدة الشبه بمسرحية (الملك لير) لشكسبير، وقد تذكرتها بعد تلك السنوات الطويلة، فرغبت في إعادة صياغتها؛ لما فيها من فوائد عظيمة، وقيم إنسانية نحتاج إليها في تلك الأيام.


بعد وفاة زوجته نذر رجل حياته لتربية بناته الثلاث، فأظلهن بحبه وحنانه، وعمل على إسعادهن بكل طريق ممكن، وكانت البنات يحببنه، ويرون في عطفه وشفقته تعويضًا لهنَّ عن حنان الأم وعطفها.
ذات يوم جمع الأب بناته، وسأل كل واحدة منهن عن مدى حبهن له، فقالت الكبرى: أحبك يا أبي أكثر من حبي الدنيا كلها، بما فيها من أشجار وارفة، وأزهار زاهية، ومياه جارية، وسماء صافية، أحبك يا أبي أكثر من كل ذلك.
وقالت الوسطى: أحبك يا أبي أكثر من نفسي، فأنت نور عيني التي أرى بها الدنيا، ينبض قلبي فأحس أنَّ كل نبضة من نبضاته تذكرني بحبي لك، أحبك يا أبي أكثر من نفسي التي بين جنبيّ.
أما الصغرى فقد عُرِف عنها حبها للملح حبا شديدا، وكانت تُكثر منه في طعامها، وكانت أكثرهن حبا لأبيها، وعندما سألها أبوها عن حبها له، أسرعت وقالت: أحبك يا أبي أكثر من حبة الملح.
فوجئ الأب بإجابة ابنته الصغرى، وقد توقَّع منها أن تحسن القول، كما فعلت أختاها، ولكنها لم تفعل، واكتفت بقولها: أحبك يا أبي أكثر من حبة الملح.
غضب الأب، وطرد ابنته الصغرى من بيته، وجعلها تواجه مصيرها المجهول، مشردة في الطرقات والأزقة،  واكتفى بابنتيه الكبرى والوسطى.
كانت الفتاة حزينة لما أصابها من أحبِّ الناس إليها، وأخذت تؤنب نفسها: لمَ لمْ تعبر بشكل أفضل عن حبها لأبيها! كانت تأكل بقايا الطعام التي يرميها الأغنياء للفقراء، فإذا أقبل الليل نامت على أحد جانبي الطريق، وظلت على تلك الحال حتى اتسخت ملابسها، ونحل جسمها، وشحب وجهها، وبدت عليها علامات الضعف والهزال، ثم جاءها الفرج من الله.
كان من عادة أمير البلاد الشاب الخروج في الصباح للتنزه في طرقات المملكة، وبينما هو في تجواله إذا به يرى شابة صغيرة تأكل طعامها من بقايا طعام الناس، وقد بدا عليها الضعف الشديد، فرقَّ لها ولحالها، فأخذها إلى القصر، وأمر الخدم بالاعتناء بها، وبنظافتها وإطعامها أشهى أنواع الطعام.
في المساء لم يصدق الأمير عينيه؛ إذ زال عن الفتاة الغبار وعلامات الضعف والشحوب، فرأى فتاة فائقة الجمال، ابتسامتها أجمل ما رأى، ووجهها كصفاء السماء حين تخلو من الغيوم، ومع ذلك فقد لمح في نظرة عينها حزنا وانكسارا، فسألها عن حكايتها، فحكت له ما حدث لها مع أبيها، وكيف أنه طردها وهي المحبة له، واكتفي بأختيها الكبرى والوسطى.
أعجب الأمير بالفتاة، وفاتح أباه الملك في الزواج منها، فوافق الملك، وتزوجت الفتاة من الأمير، وأظلت السعادة بيتهما، ولكنها كانت تشعر بالقلق من حين لآخر على أبيها.
مرت سنوات طويلة، وحلَّت الشيخوخة بالأب، ولم تحتمل البنتان الكبرى والوسطى أباهما، الذي كان يعتمد عليهما اعتمادا كبيرا في طعامه وشرابه وحياته كلها، فقررا طرده من البيت، ليبحث له عن مأوى آخر بعيدا عنهما، أو يموت في هدوء، وفي الشارع ندم الأب، وشعر بالأسف لأنه طرد ابنته الصغرى التي كانت تحبه أكثر من أختيها، وتساءل في نفسه عن مصيرها، وماذا فعلت بعدما طردها؟ وعندما لم يجد إجابة عن سؤاله خلد إلى النوم على أحد جانبي الطريق.
كان من عادة الأميرة (الابنة الصُغرى) أن تتمشى كل صباح في طرقات المملكة، فوجدت عجوزا ينام في المكان نفسه الذي كانت تنام فيه عندما طردها أبوها، فاقتربت منه، وسألته عن حاله، وكم كانت دهشتها عندما رأت أباها وقد ظهرت عليه صروف الدهر، فضعف بصره، وانحنى ظهره، ووهنت قوته، أما هو فلم يعرف ابنته، ولم يتصور للحظة واحدة أن هذه الأميرة الجميلة التي تبدو عليها أمارات الثراء والجمال هي ابنته الصغرى التي طردها منذ سنين طويلة.
أخذت الفتاة الرجل العجوز إلى القصر، وأعدت له مائدة فاخرة مليئة بأشهى الأطعمة، وطلبت منه أن يأكل، فشرع الرجل في الأكل ثم توقف، فطلبت منه أن يأكل، فتناول لقمة ثم توقف، وهنا سألته الأميرة: ألا يعجبك الطعام؟ فقال لها الرجل: إن الطعام شهي ولذيذ، ولكنه بلا ملح، فقالت له الأميرة: وهل الملح مهم للطعام؟ فقال لها: نعم، لا يُؤكل الطعام من دون ملح، فهو مهم للطعام ولحياتنا كلها، فقالت له الأميرة: عرفتَ الآن أهمية حبة الملح! دقق الرجل النظر في وجه الأميرة، وعرف أنها ابنته الحبيبة، واعتذر لها عما بدر منه في حقها، ثم حكى لها حكايته مع أختيها، فقالت الأميرة: لا تحزن يا أبي، أنت الآن في أمن؛ فأنت أبي الذي أحبه أكثر من أي شيء في الدنيا، نور عيني، ودنياي التي أحبها وأعيشها، أنت أبي الذي أحبه أكثر من حبة الملح. 


الخميس، 26 نوفمبر 2015

أين المفر؟

نص جدلي عن إنشاء دور المسنين في الوطن العربي
إبداع الطالبة / منة الله محمد



أتدري لماذا يصبح الديك صائحًا يردد لحن النوح في غُرة الفجر؟ ينادي لقد مرَّ من العمر ليلة, وها أنت ذا لا تشعر بذلك ولا تدري, العمر يمر في غمضة عين, دون الشعور به, كسارق هارب ليس لديه الوقت للنظر خلفه, لأنه في تلك اللحظة يُمكن للشرطة اللحاق به والقبض عليه, هكذا نحن كالشرطة, في مغامرة دائمة للبحث عن السارق, ورغم ذلك هو دائمًا يفرُّ من تحت أيدينا حتي نستيقظ ونجد أنَّ حياتنا قد مضت . . انتهي ريعان الشباب ليأخذ مكانه المشيب, مثلما قال الشاعر :
ذهب الشباب فما له من عودة  . . . وأتي المشيب فأين منه المهرب؟
ومع ذكر المشيب تُذكر دار المسنين, كأنما هو صياد يبحث عن فريسته منذ قديم الأزل ولا يستطيع أن يصدق أنه – و بعد طول انتظار- يملكها بين أنيابه, وليست لديه الإرادة أن يفك قيد أسرها في يوم من الأيام.
في الفترة الأخيرة تناثرت دور المسنين في الوطن العربي بأكمله, حتي فاضت الدور بهم, وهنا تعارضت الآراء , فهناك من يؤيد إنشاء دور المسنين كما يوجد من يعارضه.
بعض الناس يقولون: إنه ليس هناك أسباب تدعو الي إنشاء دور للمسنين, وكان بالأحري أن يهتم الأبناء بأهلهم ويوفروا لهم الرعاية، أسوة بهم عندما شملوا أبناءهم بالرعاية وهم صغار، واستشهدوا بقول الشاعر:
إذا كان بر الوالدين بعيونهم ذل . . .  فأنا الذليل ومرحبا بالمذلة
بالإضافة الي أنَّ مرحلة الشيخوخة مرحلة صعبة, يكثر فيها محاولات الانتحار, لذلك ليس من الصواب أن نزيد من حملهم ونصبح نحن القشة التي تكسر ظهورهم كما ينكسر ظهر البعير, ومع ذلك لم يمر سؤال بخاطرهم وهو: ما الذي سيحدث إذا لم يكن هناك أبناء علي الإطلاق؟
البعض الآخر ينصف دور المسنين في العالم العربي, فمجري الحياة ليس مضمونا, والطيبة لم تعد متواجدة في جميع القلوب بل إنها خلت من معظمها, فما ذنب امرأة كبيرة في السن خانتها الحياة وحاصرتها الأمواج العاتية . . أخذت منها أولادها أو حرمتها منهم بالمقام الأول؟ ماذا سيحل بها؟ أو رجل صفعته الحياة وحُرم أهم نعمة في الوجود: الصحة, مَن سيعتني به كما ينبغي؟ ففي هذه الحالة لا يمكن أن نغلق دور المسنين، فليس باليد حيلة.

قطار الحياة يمر سريعا، ولا ينتظر من فاته الميعاد, فهو لا يراعي الظروف ولا يهتم بالآلام , يوجد مسنون يُتركون غصبا في دار المسنين يوميًّا، وهذا شيء لا يمكننا أن نحلله ولا يباح أن ننكره, و في نفس الوقت لا يمكننا التغاضي عن ضرورته في الحياة, لأنه ليس كل منا لديه أحد يستند عليه في حياته, هناك من أصابه بلاء شديد من الله, ولكن رحمة الله واسعة, فكما أنه حرمهم من عكاز يلقون عليه حملهم, أوجد لهم مكانا يلقون فيه الرعاية، ويعيشون فيه حتي يحل بهم الأجل.  

الاثنين، 16 نوفمبر 2015

الدروس المستفادة من قصة موسى والخضر




من يقرأ القرآن يلحظ أنَّ القصص القرآني يشغل مساحة كبيرة منه، وليس ذلك لتسلية القراء والحُفاظ، وإنما سِيق هذا القصص ليكون عبرة للمؤمنين، ومُؤدبًا لهم، ولِمَا للقصص من تأثير في التربية والتهذيب، بالإضافة إلى أن الوعظ المباشر قد يبعث على الملل ويثير في النفس نعرات العزة والكبرياء، أما القصص فيتيح للعقل البشرى أن يذهب في فهم المضمون كل مذهب، فتتعدد الدروس المستفادة من القصة بتعدد أفهام الناس وثقافاتهم.
قام موسى (عليه السلام) يومًا خطيبا في بنى إسرائيل، فسأله أحدهم: يا موسى هل أنت أعلم أهل الأرض؟ فقال (عليه السلام): نعم، فعاتبه الله (تعالى)؛ إذ لم ينسب العلم إليه، وأمره أن يبحث عن عبد من عباد الله الصالحين (الخضر) أوتي من العلم ما لم يؤته موسى، وجدَّ النبي الكريم في البحث عن هذا الرجل الصالح حتى وجده، وبعد محادثة قصيرة بينهما أخبر الخضرُ موسى (عليه السلام) أن لديه علمًا ليس عند موسى، وأن موسى لديه علم ليس عند الخضر.
طلب موسى (عليه السلام) من الخضر أن يصحبه فترة من الزمن ليتعلم من علمه، فرد عليه الخضر بأن ما لديه من العلم قد لا يصبر عليه، ومع إصرار النبي الكريم وافق الخضر على ألا يسأله عن شيء مما يراه حتى يخبره في الوقت المناسب.
ركب موسى والخضر سفينة، ويبدو أن أصحاب السفينة كانوا على معرفة بالخضر وصلاحه فلم يأخذوا أجرًا، ومع ذلك شرع الخضر بعد قليل في خلع أحد ألواح السفينة، فتعجب موسى (عليه السلام) وذكَّره الخضر بما اتفقا عليه.
انطلقا حتى قابلا غلامًا فقتله الخضر، فأنكر عليه موسى؛ لأن القتل من كبائر الذنوب، فذكَّره الخضر، ثم سارا.
وصلا إلى قرية، وطلبا من أهل القرية أن يقوموا معهما بواجبات الضيافة، فلم يجدا إلا الصدَّ والمنع، ومع ذلك شرع الخضر في إصلاح جدار داخل تلك القرية، ثم انصرفا، فتعجب النبي الكريم، وهنا بدأ الخضر في تفسير تلك الأمور الغامضة للنبي الكريم.
أما السفينة فإن هذا اللوح المكسور أنقذها من استيلاء أحد الملوك عليها، فقد كان هذا الظالم يستولي على كل سفينة صالحة تسير في البحر، وأما الغلام فقد كان عاقًا ومن الممكن أن يزيد من عناء والديه وشقائهما، وأما الجدار فتحته كنز ليتيمين، وقد بناه لهما ليستخرجاه إذا كبرا.
الدرس الرئيس في تلك القصة والذي هو سبب ورودها هو نسبة العلم إلى الله، وأن العلم قِسمة بين بني البشر، لا يختص به أحد دون غيره؛ لدى العالم علم غزير ليس لدى الفلاح الأمي، ولكن هذا الفلاح الأمي لديه من العلم ما ليس لذلك العالم.
التواضع كذلك من الدروس المستفادة من تلك القصة؛ فموسى الكليم، أحد الرسل أولي العزم لم يتكبر على تلقي العلم عن أحد عباد الله الصالحين (الخضر) فصحبه، وكان منه بمنزلة التلميذ من الأستاذ.
قضاء الله وقدره دائما خير، ربما نرى الأمر برؤيتنا المحدودة وعقولنا القاصرة فنظن أنه شر لَحِق بنا، وحقيقته خيرٌ محض أراده الله لنا، قال (تعالى) في سورة النور: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم، لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم)، وهكذا كانت حادثة الإفك مميزة للمؤمنين عن المنافقين، ولا شك أن هذا التمييز مكسب عظيم للمجتمع المسلم.
ولم يكن تكسير السفينة أو موت الغلام شرا خالصا، فثمَّ قضاء الله وقدره ولطفه بعباده.

على المستوى الشخصى – في أحيان كثيرة – أسترجع بعض الذكريات التي لم أسعد بها في وقتها، ثم أفكر في نتائجها فأجد الأمر مختلفا، فأحمد الله مدبر الكون، ومقدر الحوادث، الذي يرحم الإنسان الضعيف، ويلطف به، وأقول دائما: لعله خير.

الأحد، 15 نوفمبر 2015

أمطار اليأس

من إبداعات الطالبة/ سماء أحمد

أحضر ورقة بيضاء وضع فيها نقطة سوداء، ثم اسأل مَن حولك: ماذا ترون؟ سيقولون نقطة سوداء، حقًّا! وماذا عن الورقة البيضاء، لماذا لم يذكرها أحد؟ أتعرف لماذا! لأن نظرتنا للحياة نظرة سلبية نرى فيها فقط نقطا سوداء، وننسى الصفحة البيضاء؛ لأن بصيرتنا تائهة بين إشارة عقلنا المظلمة التى لا ترى غير ذات ضائعة، فأصبحنا نرى بعين لا ترى.
قل لى فيم تفكر أقُل لك مستقبلك، تشرق الشمس من الشرق، وتغيب من الغرب، ونحن كذلك نشرق معها بأمل وحياة وطموح، ومنَّا مَن تشرق معه الغيوم، ولا تتركه الهموم فيصبح صيفه شتاءً، وعندما ينظر للسماء تسقط عليه أمطار اليأس الذى يملؤه، فتغيب شمسه، ويغيب هو معها كمن شاب وهو لا يزال فى ريعان شبابه.
هذه هي حياتنا، لا نفهم أن نظرتنا للحياة هى المحور الأساسي للتطور، فهناك مقولة تقول: لن تستطيع منع طيور الهمِّ أن تحلق فوق رأسك لكنك تستطيع أن تمنعها أن تعشش فى رأسك.

فمن ينظر للحياة بإيجابية لا تقيد طموحه سلاسل اليأس، وتنفتح له الأبواب المغلقة، وتجلب له القوة والطاقة والمبادرة، وصعودا بعد سقوط؛ وذلك لأن الإنسان الإيجابي يفكر في الحل لا المشكلة، ويرى الحل لكل مشكلة، يصنع الأحداث، يسعى للتطور بشتى الطرق فلا توقفه أمطار اليأس، فينتظر غده المضيء، وغدا لناظره – بإيجابية - قريب.

الخميس، 21 مايو 2015

وقت مستقطع



لا أذكر آخر مرة شاهدت فيها مباراة من مباريات كرة السلة، ولكنني أذكر أنه في تلك المباريات كثيرا ما أرى المدرب يطلب من الحكم وقتًا مستقطعًا، وفي تلك الثواني المعدودة يحدث ثلاثة أمور:
الأول- التقاط الأنفاس من جراء الجهد العنيف الذي يُبذل في المباراة.
الثاني – مراجعة ما تم إنجازه من خطة المباراة، وتقييم سريع غير مُحبط للفترات السابقة.
الثالث – وضع مجموعة من الإجراءات التحسينية لاستكمال المباراة في ظل متغيرات جديدة لم يضعها المدرب في الحسبان.
هذا ما يحدث – إن صدق ظني – في ذلك الوقت المستقطع، وأظن أننا في خضم الأحداث التي نحياها، وتلك الوتيرة المتسارعة لنمط الحياة، مع تغير واضح في منظومة القيم والأخلاق والعادات؛ أظن بعد كل ما سبق أننا نحتاج إلى وقت مستقطع نلتقط فيه أنفاسنا، نرتفع بأنفسنا وذواتنا عن (مفرمة) الحياة، وننظر إلى الأحداث من عل.
نحتاج إلى وقت مستقطع حتى نُقَيِّمَ ما مر بنا من سنين، فإذا ما ظهر الشيب، وبدأ الإنسان يعاني من متاعب صحية مزمنة، وأصبح يرى في أعين الآخرين نظرات الإكبار، وسمع منهم العبارات النمطية الخاصة بكبار السن: (يا حاج – يا عم) ، أقول إذا طرأت تلك المتغيرات على الإنسان فواجب عليه أن يراجع نفسه، ويرى ما حقق لدنياه، وما قدَّم لأخراه.

وفي ظل ذلك الاحترام المفاجئ من قبل أفراد المجتمع لي بسبب تقدم سني شعرت برغبة مُلحة في وقت مستقطع، أعيد صياغة أهدافي، وأنظر إلى الدنيا نظرة جديدة، أكثر نضجا، وأشمل رؤية، ثم أخطط من جديد لاستثمار ما بقي من عمري برويَّةٍ وهدوء. 

الجمعة، 17 أبريل 2015

مراحل الحضارة الإسلامية . . الترجمة


تشبه الحضارات والأمم في تكوينها ومراحلها حياة الإنسان إلى حد كبير: يبدأ الإنسان طفلا ضعيفا، يعتمد في غذائه وحركته على أمه بصورة كاملة، ثم يشب شيئا فشيئا حتى يشتد عوده ويقوى صلبه، وفي ذروة قوته يبدأ عطاؤه للآخرين، ويتحمل مسئولية من هم أضعف منه، وبعد فترة من العطاء يشيخ ويهرم لتنتقل القوة إلى جيل جديد.
بدأت الحضارة الإسلامية معتمدة – إلى حد بعيد – على ترجمة علوم اليونان والهند، وشهدت تلك البدايات نشاطا ملحوظا من المترجمين، وتشجيعا قويا من الخلفاء والأمراء، ثم بدأت بعد ذلك مرحلة جديدة أضاف فيها العلماء المسلمون إلى علوم اليونان علوما ومعارف أخرى، وكانت لهم مناهجهم ومخترعاتهم التي أبهرت أوروبا بعد ذلك، فنهل العالم كله من علوم المسلمين، وكانت بغداد والعواصم العربية محط أنظار طلاب العلم في أوروبا، وبعد سلسلة من الحروب المجهدة فترت النزعة العلمية عند المسلمين، لتشرق الحضارة من جديد ولكن هذه المرة من الغرب حيث أوروبا وأمريكا.
وهذا نص من كتاب : قصة الحضارة ، لويليام جيمس ديورانت يتحدث فيه عن بدايات الحضارة الإسلامية المتمثلة في حركة الترجمة، يقول المؤلف:
لقد أدرك الخلفاء تأخر العرب في العلم والفلسفة كما أدركوا ما خلفه اليونان من ثروة علمية غزيرة في بلاد الشام، ولقد كان بنو أمية حكماء إذ تركوا المدارس الكبرى المسيحية، أو الصابئية، أو الفارسية، قائمة في الإسكندرية، وبيروت، وإنطاكية، وحران، ونصيبين، ولم يمسوها بأذى، وقد احتفظت هذه المدارس بأمهات الكتب في الفلسفة والعلم، وما لبثت أن ظهرت ترجماتها إلى اللغة العربية على أيدي النساطرة المسيحيين أو اليهود، وشجع الأمراء من بني أمية وبني العباس هذه الاستدانة العلمية المثمرة، وأرسل المنصور، والمأمون، والمتوكل الرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الهلنستية- وأرسلوهم في بعض الأحيان إلى أباطرة الروم أعدائهم الأقدمين- يطلبون إليهم أن يمدوهم بالكتب اليونانية، وخاصة كتب الطب أو العلوم الرياضية، وبهذه الطريقة وصل كتاب إقليدس في الهندسة إلى أيدي المسلمين.
وأنشأ المأمون في بغداد عام (830) م بيت الحكمة وهو مجمع علمي، ومرصد فلكي، ومكتبة عامة، وأنفق في إنشائه مائتي ألف دينار، وأقام فيه طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال، ويقول ابن خلدون عن بيت الحكمة: إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت بها أرجاؤه .
ودامت أعمال الترجمة من عام (750) إلى(900) من الميلاد، وفي هذه الفترة عكف المترجمون على نقل أمهات الكتب من السريانية، واليونانية، والسنسكريتية. وكان على رأس أولئك المترجمين المقيمين في بيت الحكمة طبيب نسطوري هو حنين ابن إسحق (809 - 873)، وقد ترجم وحده- كما يقول هو نفسه- إلى اللغة السريانية مائة رسالة من رسائل جالينوس ومدرسته العلمية، وإلى اللغة العربية تسعاً وثلاثين رسالة أخرى، وبفضل ترجمته هذه نجت بعض مؤلفات جالينوس من الفناء، كما ترجم كتب المقولات والطبيعة، والأخلاق الكبرى لأرسطو، وكتب الجمهورية، وطيماوس، والقوانين لأفلاطون؛ وعهد أبقراط، وكتاب الأقرباذين لديوسقريدس. وكتاب الأربعة لبطليموس، وترجم العهد القديم من الترجمة السبعينية اليونانية، وكاد المأمون أن يُفلس حين كافأ حنين على عملهِ هذا بمثل وزن الكتب التي ترجمها ذهبًا.
ولم يحل عام (850) بعد الميلاد حتى كانت معظم الكتب اليونانية القديمة في علوم الرياضة والفلك والطب قد تُرجمت إلى اللغة العربية.
إن انتقال العلوم والفلسفة انتقالًا مستمراً من مصر، والهند، وبابل، عن طريق بلاد اليونان وبيزنطية، إلى بلاد الإسلام في الشرق وفي أسبانيا، ومنها إلى شمالي أوروبا وأمريكا، نقول إن هذا الانتقال لمن أجلِّ الحوادث وأعظمها شأنًا في تاريخ العالم.

الاثنين، 26 يناير 2015

الهجرة النبوية


بعد بيعة العقبة الثانية رغَّب الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) المسلمين في الهجرة إلى يثرب، فقال لهم: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا"، فبدأ المسلمون في الهجرة سرًّا، وبقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينتظر الإذن من الله بالهجرة، وكذلك ظلَّ أبو بكر بمكة بعدما استأذن النبي (صلى الله عليه وسلم) في الهجرة فقال له: "لَا تَعْجَلْ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا"، وكان أبو بكر يأمل أن تكون هجرته مع النبي ( صلى الله عليه وسلم)، وأعدَّ لذلك راحلتين وجهزهما، أما قريش فقد كانت ترقب - في قلق بالغ - هجرة المسلمين إلى يثرب، وتُضيِّق السبل أمامهم وتُجرِّدُ المهاجرين من أموالهم وأمتعتهم.  
لم يطُلْ انتظار الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد جاءه الإذن بالهجرة بعد شهرين ونصف – تقريبا – من بيعة العقبة الثانية؛ وذلك عقب الاجتماع المعروف بين قادة قريش في دار الندوة؛ للوصول إلى قرار حاسم في شأن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك الاجتماع ناقشت قريش مجموعة من الاقتراحات لمواجهة الدين الجديد، وكان من تلك الاقتراحات حبس النبي (صلى الله عليه وسلم) في مكة حتى يموت، أو نفيه خارج مكة، ولكنَّ هذين الاقتراحين لم يلقيا قبولا، أما الذي وافقوا عليه فهو اقتراح أبي جهل عمرو بن هشام الذي قال: "أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا نَسِيبًا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُوا إلَيْهِ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُوهُ، فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ"، وقد وافق الحاضرون على هذا الرأي، وتواعدوا على كتمان ما خططوا له.
قال الله تعالى عن هذا الاجتماع: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
أطلع الله تعالى نبيه على ما حدث بدار الندوة، وطلب جبريل (عليه السلام) من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ألا يبيت بفراشه الليلة، وذهب في وقت الظهيرة إلى بيت أبي بكر وأخبره بالاستعداد للهجرة، وفرح أبو بكر فرحا شديدا لصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم عاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى بيته لإعداد ترتيبات الهجرة، وأمر عليا أن يبيت في فراشه تلك الليلة.
كان من عادة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه ينام في أول الليل، ثم يستيقظ في منتصفه للخروج عند الكعبة والصلاة هناك، و كان فتيان قريش بقيادة أبي جهل يحاصرون بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) وينتظرون خروجه؛ ليقتلوه.
وبالفعل خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وسط هؤلاء المحاصرين دون أن يشعروا به، وكان يضع التراب على رءوسهم، تاليا قوله تعالى: (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)).
بعد فترة قصيرة جاءهم رجل من مكة وسألهم: مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا، فأخبرهم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج أمامهم ووضع على رءوسهم جميعا التراب، فتحسسوا رءوسهم وأيقينوا صدق كلام الرجل، وثارت ثائرتهم.
في تلك الأثناء كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه أبو بكر الصديق قد خرجا من بيت أبي بكر في اتجاه اليمن – خلافا للمعتاد – حيث جبل ثور على بعد خمسة أميال من مكة، وهناك سلما الراحلتين للدليل الذي اتفقا معه على مرافقتهما إلى يثرب، وهو عبد الله بن أريقط، وكان مشركا، استأمناه فكان أمينا، وتواعدا معه على اللقاء بعد ثلاثة أيام حتى تهدأ قريش ويملَّ الباحثون عنهما، فأخذ الراحلتين وانصرف.
قرر الرسول (صلى الله عليه وسلم) المبيت في غار في الجبل عُرِف - بعد ذلك - بغار ثور، وقبل دخولهما دخل أبو بكر أولا ليتأكد من خلوِّ الغار من الحيات والعقارب والحيوانات، ثم دخل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومكثا في الغار ثلاث ليال، قبل أن يستأنفا المسير.
جُنَّ جنون سادة قريش، وحاولوا بشتى السبل معرفة مكان الصاحبين، أخرجوا عليا عند الكعبة وضربوه حتى يرشدهم إلى مكانهما فلم يُجْدِ معه شيء، ولطم أبو جهل أسماء بنت أبي بكر على وجهها ليعرف مكانهما فلم تُفصح، ثم أعلنت قريش عن مكافأة قدرها مائة ناقة لمن يحضرهما حيين أو ميتين، فجدَّ فرسان قريش في البحث في جميع الاتجاهات، حتى وصلوا إلى غار ثور، وساعتها قال أبو بكر: " يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيرد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".
بعد الليلة الثالثة جاءهما ابن أريقط بالراحلتين وهاجروا الثلاثة ومعهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وكان من فطنة الدليل (عبد الله بن أريقط) أنه توغَّل جنوبا في اتجاه اليمن، ثم اتجه غربا ناحية البحر الأحمر ليسلك طريق الساحل شمالا، وهو طريق لم تعهده قريش.
وصلت الأنباء إلى المسلمين في يثرب بخروج النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة، فكانوا في كل يوم يخرجون إلى أطراف المدينة انتظارا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى الظهيرة، ثم يعودون، وفي يوم وصول النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة كانوا قد خرجوا صباحا، ثم عادوا مع اشتداد حرارة الشمس، حتى سمعوا صوت أحد اليهود ينادي بصوت عال: يا معشر العرب، هذا نبيكم الذي تنتظرون، فازدحمت طرقات المدينة بالمسلمين مكبرين ومهللين، وارتجت البيوت بالحمد والتسبيح، وحدثت بالمدينة جلبة وحركة، وصارت فتيات الأنصار ينشدن:
طلع البدر علينا
وجب الشكر علينا
أيها المبعوث فينا


من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع
جئت بالأمر المطاع

دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يثرب في ربيع أول، بعد تسعة أيام قضاها في الطريق، وعُرفت منذ ذلك اليوم بمدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، واختصارا بالمدينة.
ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة فأظلم منها كل شيء، ودخل المدينة فأضاء منها كل شيء.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.