الأحرار . . عبد الرشيد صقر نموذجا

لم يطأ أديم الأرض ولم يستظل بالسماء من مخلوقات الله مثل الإنسان، ذلك المخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه، وعلمه ما لم يعلمه للملائكة، بل وأمرهم بالسجود له تحية واعترافا بمكانته بين الخلق جميعا.

يشترك الإنسان مع المخلوقات الأخرى في أمور كثيرة وضرورية، مثل: التنفس والتغذية والحركة والرغبة في البقاء وحب الحياة، وكلها أمور لازمة لحياة الإنسان على الأرض، ولكن لو توقف الأمر عند ذلك لتساوى الإنسان والحيوان، فزوده الله بملكات وطبائع هي في أصلها المُميز الرئيس للإنسان عن غيره من المخلوقات، من تلك المعاني الإنسانية التي وهبها الله لذلك المخلوق: التطلع إلى الحرية والكرامة وتحقيق الذات والمدنية والمثل العليا، ومقاومة القهر والاستبداد والانحطاط الأخلاقي.

ليس أضر على الإنسان من السعي الدائم والمستمر وراء حظوظ الجسد، والاستغناء عن تلك القيم والمثل التي من أجلها أصبح الإنسان إنسانا.

والأحرار هم الذين فكوا تلك الأغلال التي تقيدهم وتجعلهم يعيشون داخل جلودهم مكتفين بالطعام والشراب، وهم الذين انطلقوا لتحقيق معاني الإنسانية التي أودعها الله فيهم من لدن آدم، حتى ولو فقدوا في سبيل ذلك حياتهم.

أهوى الحياة كريمة لا قيد لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان

فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي يغلي دم الأحرار في شرياني

كلما قرأت هذين البيتين للشاعر هاشم الرفاعي تذكرت فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرشيد صقر أستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر، وخطيب جامع صلاح الدين بالمنيل، وقد توفي (رحمه الله) منذ عشرين عاما تقريبا.

كان (رحمه الله) حرا لا يخشى في الله لومة لائم، لم يكن لديه حسابات أو مصالح يخشى عليها، كان كالجبل الشاهق، المرتفع عن شهوات الدنيا ودناياها.

سمعته قبل أن أراه؛ وقد ظننت من نبرة صوته المملوءة عزة وإباء أنه رجل له صورة مهيبة مخيفة، ولكن عندما رأيته رأيت التواضع يعتلي منبر العزة والكرامة.

عاش فقيرا يقاوم المرض ويجهر بالحق، وعندما بحثت عن خطبه ومحاضراته لم أجدها، ولا أعرف: هل أخفى الله ذكره في الدنيا ليكون ذكره عند الله وحده، أم قوله للحق أغضب الجميع منه.

حسبته كذلك ولا أزكيه على الله.

رحمة الله على شيخنا الجليل وأسكنه جنات الخلد.