الخميس، 13 ديسمبر 2012

النحو بين المعيارية والوصفية


أنعم الله على الإنسان بنعم كثيرة، لا تعد ولا تحصى، ومن تلك النعم نعمة البيان، قال تعالى: {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان}.
وتلك النعمة من شأنها أن تحقق الاتصال بين الإنسان وأفراد جنسه؛ حتى يحدث التعاون على تعمير الأرض.
لذلك عرف ابن جني اللغة بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"، فاللغة من حيث هي: أصوات، وصيغ، وتراكيب لا قيمة لها إلا بقدر ما تحققه من اتصال بين الجماعة التي تستخدم تلك اللغة.
إن قيمة اللغة في تمسك أهلها بها، ورواجها بينهم، وتداولها على ألسنتهم، واحترامهم إياها، وثقتهم بها في حمل أفكارهم ومعتقداتهم، والتعبير عن انفعالاتهم وعواطفهم، واستخدامهم إياها في كل ما يعِنُّ لهم من شئون الحياة السهلة، أو القضايا الفلسفية المعقدة، كما تبدو قيمتها كذلك فيما تعبر من رصيد فكري وحضاري كبير".
إن القيمة الحقيقية للغة تنبعث من مكانتها لدى المتكلمين بها، وتلك المكانة تنبعث بدورها من مؤثرات دينية وقومية وحضارية، وتمتد تلك المؤثرات إلى منهج الدراسة نفسه؛ حيث إن تلك المؤثرات تتناسب طردياً مع النزعة المعيارية في دراسة اللغة.
إن بروز النزعة المعيارية في النحو العربي لم يأت من قِبل النحاة، بل أتى بفعل تلك المؤثرات، وكان دورهم أن توسعوا في تطبيق هذا المنهج، وحكموا قواعدهم في الكلام العربي؛ الأمر الذي دفع بعض النحاة إلى تخطئة العرب في بعض المواطن.
لقد نشأ النحو– في مجمله – معياريا، غايته دفع اللحن الذي بدأ يشيع على ألسنة الموالي وبعض العرب، وكان من الممكن ألا يعبأ أحد بهذا اللحن لولا اعتزاز المسلمين بلغتهم.
إن القول بغلبة النزعة المعيارية لا يعنى خلو  النحو العربى من بعض الملامح الوصفية، التى تتمثل في: رحلة النحاة إلى البادية، ومشافهتهم الأعراب، وتحديد بيئة زمانية، وأخرى مكانية لدراسة اللغة. كما ذكر الدكتور تمام حسان، إلا أنه يأخذ عليهم أمرين:
(الأول) دراسة اللغة خلال ثلاثة قرون، ولا شك أن اللغة مرت خلال تلك القرون بمراحل عدة فى: أصواتها، وصرفها، ونحوها.
(الثانى) الخلط بين لهجات متعددة، وأخذهم اللغة عن ست قبائل فقط، ثم خلطهم بين مرويات تلك القبائل.
إن تلك المآخذ على الملامح الوصفية في منهج النحاة دليل على أن هذا الوصف ما هو إلا بداية للتقعيد المعياري؛ لذلك، لكي نفهم معنى الوصفية عند النحاة لا بد أن نفهمها في ظل هذين الاعتبارين:
(الأول) فهم الوصف بمعناه العام، هو: وصف الواقع اللغوى من خلال بيئة زمانية وأخرى مكانية، دون ربطه بالمنهج الوصفى أو الشكلى الذى أسس فى مطلع القرن العشرين.
(الثاني) الوصفية - بمعناها السابق- كانت مرحلة من مراحل المنهج ولم تشكل طبيعة للمنهج أو روحا له.
مراجع ومصادر:
الخصائص لابن جني
بحوث ومقالات في اللغة، د/ رمضان عبد التواب
مدخل إلى علم الغة، د/ رمضان عبد التواب
إنباه الرواة لابن الأنباري
اللغة بين المعيارية والوصفية، د/ تمام حسان

هناك تعليق واحد:

  1. احسنت ملخص جميل يشير إلى عوامل اعتزاز الناس بلغتهم ودور هذه العوامل في النهج المعياري وتقعيد القواعد .

    ردحذف