الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

من مسائل الخلاف النحوي . . إبدال الظاهر من المضمر بدل كلّ




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، فهذه مسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين، وهي من المسائل التي لم ترد في كتاب ابن الأنباري: (الإنصاف في مسائل الخلاف).

يرى جمهور النحاة جواز إبدال الظاهر من ضمير الغائب مطلقا، ويجوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم والمخاطب بدل كلّ إذا كان البدل فيه معنى الإحاطة، كما في قوله تعالى: "تكونُ لنا عيدًا لأولِنا وآخرنا" (المائدة 114)، وكما في قول الشاعر:
فما برِحت أقدامنا في مقامنا    ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا (شرح الأشموني بحاشية الصبان 3/ 129).

فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة فمذاهب:
الأول – المنع، وهو مذهب جمهور البصريين.
الثاني – الجواز، وهو قول الأخفش والكوفيين.
الثالث – أنه يجوز في الاستثناء، نحو ما ضربتكم إلا زيدا، وهو قول قُطْرُب. (شرح الأشموني بحاشية الصبان 3/ 129).
أما قول قطرب: إنَّ (زيدا) في (ما ضربتكم إلا زيدا) بدل كلّ، ففيه نظر؛ لأنّ (زيدا) ليس بدل كل من ضمير المخاطبين، بل بدل بعض (شرح الأشموني بحاشية الصبان 3/ 129)، ويصرح الصبان بأنه لا يوجد مثال يكون فيه المستثنى بدل كلّ من المستثنى منه (شرح الأشموني بحاشية الصبان 3/ 129).

أما الأخفش فقد استدل بقوله تعالى: " ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون" (الأنعام 12)؛ إذ جعل الأخفش (الذين خسروا) بدلا من ضمير الخطاب في (ليجمعنكم)، وجمهور البصريين لا يعربونها كذلك، فهم يجعلون (الذين خسروا) نعتا مقطوعا للذمِّ (شرح الكافية 1/ 342).
كذلك استدل الكوفيون بحديث أبي موسى الأشعري "أتينا النبي – صلى الله عليه وسلم – نفرٌ من الأشعريين" (شرح التسهيل لابن مالك 1/ 334).
واستدلوا بقول الشاعر:
بكم قريشٍ كفينا كلّ معضلة  وأم نهج الهدى من كان ضليلا (شرح التصريح 2/ 161).
وسمع الكسائي: إليّ أبي عبد الله (شرح التصريح 2/ 161).
كما قاس الكوفيون ضميري المخاطب والمتكلم على ضمير الغائب، وعلة القياس عدم اللبس، يقول السيوطي عن أدلة الكوفيين: " القياس على ضمير الغائب لأنه لا لبس فيه أيضا، ولذا لم يُنعت، ولو كان البدل لإزالة اللبس لامتنع في الغائب كما امتنع أن يُنعت" (همع الهوامع 2/ 127).

أما البصريون فقد استدلوا على المنع بأنّ البدل ينبغي أن يفيد ما لم يفده المبدل منه، ومن ثَمَّ لم يجز: مررت بزيدٍ رجلٍ، وبدل الكلّ من الكلّ لما كان مدلوله مدلول الأول، فلو أُبدل فيه الظاهر من ضمير المتكلم أو المخاطب، وهما أعرف المعارف كان البدل أنقص من المبدل منه في التعريف، فيكون أنقص منه في الإفادة لأن مدلولهما واحد، وفي الأول زيادة تعريف، بخلاف البعض والاشتمال والغلط؛ فإنّ مدلول الثاني فيهما غير مدلول الأول" (حاشية العليمي على التصريح 2/ 161).
ويعبرون عن هذا بطريقة أخرى، فيقولون: "إن الغرض من البدل البيان، وضمير المخاطب والمتكلم في غاية الوضوح، فلم يحتج إلى بيان" (همع الهوامع 2/ 127).
وقد أجاب الأخفش "بمنع اتحاد المدلولين في بدل الكلِّ؛ إذ لو اتحد مفهومهما لكان الثاني تأكيدا للأول لا بدلا عنه" (همع الهوامع 2/ 127).
أما قول البصريين: "إن الغرض من البدل البيان، وضمير المخاطب والمتكلم في غاية الوضوح، فلم يحتج إلى بيان" فيرده قياس الكوفيين الذي احتجوا به، فإن ضمير الغائب من جملة الضمائر التي هي أعرف المعارف، ومع ذلك يُبدل منه بدل كلّ دون خلاف.

هناك 4 تعليقات:

  1. سلمت يداك هل تأذن بنقل كلامك في بحث لي ، أخوك العمادي

    ردحذف
  2. جزاك الله خير واثابك بعلمك

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا، ولا حرمك الأجر، لقد استفدت كثيرا مما كتبته في الفهم، وفي قبول مذهب الأخفش وكتابته في بحثي.

    ردحذف
  4. من يقصد ب ابو عبدلله هنا من هو ؟

    ردحذف