هذه قصة من الأدب الإنجليزي بعنوان (تجربة) قرأتها في كتاب:
(مائة قصة من الأدب الإنجليزي) للأستاذ محمد السباعي، وقد تصرفت في بعض تفاصيلها
دون الإخلال بمضمونها والعناصر الأساسية لها.
وهي قصة توضح مدى ما يتعرض له الإنسان من غبن في إهدار وقته
وعمره وشبابه، ثم لا يجني من ذلك إلا الندم، حين لا ينفع الندم.
دعا أحد الأطباء المشهورين أصدقاءه القدامى في مكتبه بمنزله
العتيق، والمدعوون هم ثلاثة رجال: سياسي وتاجر وقائد جيش وأرملة كانت من أجمل بنات
المدينة في شبابها، وكانوا جميعا قد تجاوزوا الثمانين، وقد ظهرت صروف الدهر في انحناءة
ظهورهم، وتجاعيد وجوههم، والشيب الذي اشتعل في رءوسهم.
بصعوبة جلس الأربعة أمام مكتب الطبيب، وكان واضحا أنهم
لم يلتقوا منذ زمن بعيد، ونظروا إلى الطبيب بعين مِلؤها الفضول عن سرِّ تلك
الدعوة، ولم يُطل الطبيب فترة الصمت، وبدأ في الحديث، وقال لهم: لقد دعوتكم اليوم
لتشهدوا تجربة لا أظن أنَّ أحدا في العالم قد شهدها، تساءلوا بفتور: وما تلك
التجربة التي جعلتك تتذكر أصدقاءك القدامى؟ فقال لهم: لقد توصلت إلى إكسير الشباب.
لم يَبدُ على أي منهم الدهشة أو التعجب مما قيل، وإنما
قالت له الأرملة العجوز بحسرة: وهل يعود الشباب؟! فقال الطبيب: كنت أتوقع منكم هذا
الرد، ولكن دعونا نجري تجربة صغيرة، وقام إلى كتاب قديم بالمكتبة، ونفض عنه غبار
السنين، ثم أخرج من ثناياه وردة ذابلة، وقال لهم: هذه الوردة الذابلة أهدتها لي
زوجتي قبل أن تموت منذ عشرات السنين، ثم أحضر إبريق ماء، وصبَّ على الوردة قطرات
من الماء، وهنا لم يصدق الأربعة ما رأوه، فقد عادت إلى الوردة نضارتها، كأنما دبَّت
فيها الحياة من جديد، ثم سألهم: هل تريدون أن تخوضوا التجربة.
وافق الجميع، وطلب الطبيب من كل واحد منهم أن يشرب جَرعة
من الماء، ولا يزيد، ففعلوا، وبدأ الماء يؤثر في أبدانهم التي سرت فيها بعض القوة
والنشاط، واختفى شيب رءوسهم واعتدلت ظهورهم، وبدأت التجاعيد تتلاشى شيئا فشيئا، ولكنهم
لم يصلوا بعدُ إلى الشباب، وكأنهم سعدوا بتلك النتيجة، ولكنهم أخبروه بأنهم لم
يصلوا إلى الشباب كما وعدهم، فقال لهم: مع الجرعة الثانية ستعودون شبابا، ولكن أود
أن تمنحوني عهدا: ألا تفعلوا شيئا من أخطاء الشباب وهفواته التي أقمتم عليها سنين طويلة،
فعاهدوه وشربوا الجرعة الثانية.
كان تأثير هذا الجرعة أكبر بكثير من سابقتها، وظهرت
ملامح الشباب وقوته وعنفوانه عليهم، وبدا كل واحد منهم يتحدث عن طموحاته وآماله
التي يطمح في تحقيقها، وعادوا إلى سابق عهدهم من اللهو والعبث، ونسوا تماما عهدهم مع
الطبيب، ثم التفت الثلاثة فرأوا العجوز وقد عادت فتاة جميلة، فاتنة كما عرفوها
قديما، وأراد كل واحد منهم أن يراقصها، وتنازعوا فيما بينهم، واستحال الأمر إلى
تدافع وصخب، ولكن في لحظة ما تعلقت أعينهم بالوردة فإذا هي ذابلة كما كانت؛ فتسربت
إليهم مشاعر الإحباط والذهول، وبعد قليل، عاد الشيب ودبَّ الضعف وظهرت التجاعيد،
وشعروا بالخجل والأسف لما كانوا عليه من تهور وحمق.
في سورة الأنعام يقول الله تعالى عن أهل النار: (وَلَوْ
تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا
نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ
مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ
وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).