نص جدلي عن إنشاء دور المسنين في الوطن العربي
إبداع الطالبة / منة الله محمد
إبداع الطالبة / منة الله محمد
أتدري لماذا يصبح الديك صائحًا يردد لحن النوح في غُرة
الفجر؟ ينادي لقد مرَّ من العمر ليلة, وها أنت ذا لا تشعر بذلك ولا تدري, العمر
يمر في غمضة عين, دون الشعور به, كسارق هارب ليس لديه الوقت للنظر خلفه, لأنه في
تلك اللحظة يُمكن للشرطة اللحاق به والقبض عليه, هكذا نحن كالشرطة, في مغامرة
دائمة للبحث عن السارق, ورغم ذلك هو دائمًا يفرُّ من تحت أيدينا حتي نستيقظ ونجد أنَّ
حياتنا قد مضت . . انتهي ريعان الشباب ليأخذ مكانه المشيب, مثلما قال الشاعر :
ذهب
الشباب فما له من عودة . . . وأتي المشيب فأين
منه المهرب؟
ومع ذكر المشيب تُذكر دار المسنين, كأنما هو صياد يبحث
عن فريسته منذ قديم الأزل ولا يستطيع أن يصدق أنه – و بعد طول انتظار- يملكها بين أنيابه,
وليست لديه الإرادة أن يفك قيد أسرها في يوم من الأيام.
في الفترة الأخيرة تناثرت دور المسنين في الوطن العربي
بأكمله, حتي فاضت الدور بهم, وهنا تعارضت الآراء , فهناك من يؤيد إنشاء دور
المسنين كما يوجد من يعارضه.
بعض الناس يقولون: إنه ليس هناك أسباب تدعو الي إنشاء دور
للمسنين, وكان بالأحري أن يهتم الأبناء بأهلهم ويوفروا لهم الرعاية، أسوة بهم عندما
شملوا أبناءهم بالرعاية وهم صغار، واستشهدوا بقول الشاعر:
إذا كان
بر الوالدين بعيونهم ذل . . . فأنا الذليل
ومرحبا بالمذلة
بالإضافة الي أنَّ مرحلة الشيخوخة مرحلة صعبة, يكثر فيها
محاولات الانتحار, لذلك ليس من الصواب أن نزيد من حملهم ونصبح نحن القشة التي تكسر
ظهورهم كما ينكسر ظهر البعير, ومع ذلك لم يمر سؤال بخاطرهم وهو: ما الذي سيحدث إذا
لم يكن هناك أبناء علي الإطلاق؟
البعض الآخر ينصف دور المسنين في العالم العربي, فمجري
الحياة ليس مضمونا, والطيبة لم تعد متواجدة في جميع القلوب بل إنها خلت من معظمها,
فما ذنب امرأة كبيرة في السن خانتها الحياة وحاصرتها الأمواج العاتية . . أخذت
منها أولادها أو حرمتها منهم بالمقام الأول؟ ماذا سيحل بها؟ أو رجل صفعته الحياة وحُرم
أهم نعمة في الوجود: الصحة, مَن سيعتني به كما ينبغي؟ ففي هذه الحالة لا يمكن أن نغلق
دور المسنين، فليس باليد حيلة.
قطار الحياة يمر سريعا، ولا ينتظر من فاته الميعاد, فهو
لا يراعي الظروف ولا يهتم بالآلام , يوجد مسنون يُتركون غصبا في دار المسنين يوميًّا،
وهذا شيء لا يمكننا أن نحلله ولا يباح أن ننكره, و في نفس الوقت لا يمكننا التغاضي
عن ضرورته في الحياة, لأنه ليس كل منا لديه أحد يستند عليه في حياته, هناك من
أصابه بلاء شديد من الله, ولكن رحمة الله واسعة, فكما أنه حرمهم من عكاز يلقون
عليه حملهم, أوجد لهم مكانا يلقون فيه الرعاية، ويعيشون فيه حتي يحل بهم الأجل.