الاثنين، 7 يناير 2013

الجواز الإعرابي

إذا كان الخلاف النحوى نابعا من اختلاف الآراء التى تصدر عن النحاة، فإن الجواز الإعرابى الذى نحن بصدده يرجع إلى الاستعمال اللغوى نفسه؛ فمثلاً (ما) النافية: لا خلاف بين النحاة على جواز إعمالها عمل ليس (على مذهب الحجازيين)، أو إهمالها على (مذهب التميميين)، فلم نشهد فى هذه المسألة خلافا بين النحاة، وإنما وجدنا جوازا إعرابيا فى الاستعمال نفسه، فما هو هذا الجواز الإعرابى؟
يسميه الدكتور مراجع الطليحى: الجواز النحوى، ويعرفه بقوله: "أن تتعاقب أو تتبادل حركتان إعرابيتان أو أكثر على كلمة بعينها في أسلوب معين، متحد التركيب أو المعنى، ولا ينتج عن تغير الحركة الإعرابية تغير في معنى الأسلوب غالباً".
ولتلك الجوازات أسباب كثيرة، من تلك الأسباب الخلط بين اللهجات في التقعيد النحوي، فقد تسلك قبيلة مسلكاً ما، وتسلك أخرى مسلكاً مخالفاً، ثم يأتي النحاة فيحكمون على المسألة بالجواز، غير آخذين في الاعتبار بأن لكل لهجة قانونها الذي يحكمها، ودليل هذا التجاهل من قِبَل النحاة أنهم يعمدون إلى تلك الجوازات فيؤولونها حتى تستقيم وتنسجم مع قاعدتهم التى أرادوا لها الاطراد ومن تلك الأساليب الجوازية التى نشأت نتيجة الخلط بين اللهجات مسائل كثيرة، مثل: إعراب المستثنى فى الاستثناء التام غير الموجب المنقطع، وعمل ما النافية، وعمل لعل، وإعراب المثنى، وإعراب الأسماء الستة، وغير ذلك الكثير.
ولكى يتضح لنا أثر البعد الجغرافى عند النحاة على نشأة الجواز الإعرابى نمثل بهذا المثال، وهو إعراب خبر ليس المقترن بإلا.
لقد أجاز النحاة فى قولنا: "ليس الطيبُ إلا المسك" وجهين: رفع خبر ليس ونصبه، والرفع لهجة تميم، والنصب لهجة الحجاز.
وقد أورد ابن هشام ثـلاث تأويلات للرفع قـالها الفارسي، ثم علق ابن هشام على ذلك بقوله: "وما تقدم من نقل أبى عمرو أن ذلك لغة تميم- يرد هذه التأويلات".
ومعنى العبارة: أنه ما دام الجواز ناشئا عن الخلاف اللهجى فلسنا في حاجة إلى التأويل.
من تلك المسألة يتضح لنا أثر الخلط بين اللهجات فى نشأة الجواز الإعرابى، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن النحاة يلجئون إلى التأويل حتى تنسجم تلك الجوازات مع قواعدهم التى أرادوا لها الاطراد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق