قال دبشليم الملك لبيدبا
الفيلسوف : قد سمعت هذا المثل . فاضرب لي مثل الذي يدع صنعه الذي يليق به ويشاكله ،
ويطلب غيره فلا يدركه : فيبقى حيران متردداً .
قال الفيلسوف: زعموا أنه
كان بأرض الكرخ ناسك عابدٌ مجتهدٌ . فنزل به ضيفٌ ذات يومٍ ، فدعا الناسك لضيفه بتمر:
ليطرفه به ، فأكلا منه جميعاً ، ثم قال الضيف : ما أحلى هذا التمر ، وأطيبه ! فليس
هو في بلادي التي أسكنها ، وليته كان فيها !
ثم قال : أرى أن تساعدني
على أن آخذ منه ما أغرسه في أرضنا ، فقال له الناسك : ليس لك في ذلك راحة ؛ فإن ذلك
يثقل عليك . ولعل ذلك لا يوافق أرضكم ، مع أن بلادكم كثيرة الأثمار فما حاجتها مع كثرة
ثمارها إلى التمر مَعَ وخامته ، وقلة موافقته للجسد ؟ ثم قال له الناسك : إنه لا يعد
حكيماً من طلب ما لا يجد ، وإنك سعيد الجدِّ إذا قنعت بالذي تجد ، وزهدت فيما لا تجد
.
وكان هذا الناسك يتكلم
بالعبرانية . فاستحسن الضيف كلامه وأعجبه ، فتكلف أن يتعلمه ؛ وعالج في ذلك نفسه أياماً
. فقال الناسك لضيفه : ما أخلقك أن تقع مما تركت من كلامك ، وتكلفت من كلام العبرانية
، في مثل ما وقع فيه الغراب ! قال الضيف: وكيف كان ذلك ؟
قال الناسك: زعموا أن
غراباً رأى حجلة تدرج وتمشي ، فأعجبته مشيتها ، وطمع أن يتعلمها ، فراض على ذلك نفسه
، فلم يقدر على إحكامها ، وأيس منها ، وأراد أن يعود إلى مشيته التي كان عليها : فإذا
هو قد اختلط وتخلع في مشيته، وصار أقبح الطير مشياً .
وإنما ضربت لك هذا المثل
لما رأيت من أنك تركت لسانك الذي طبعت عليه ، وأقبلت على لسان العبرانية ، وهو لا يشاكلك
، وأخاف ألا تدركه ، وتنسى لسانك ، وترجع إلى أهلك وأنت شرّهم لساناً : فإنه قد قيل
: إنه يعد جاهلاً من تكلف من الأمور ما لا يشاكله ، وليس من عمله ولم يؤدبه عليه آباؤه
وأجداده من قبل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق